Ad

ancient
 
الخميس، 3 فبراير 2011

أصوات المغرب “غير النافع”

أحمد عصيد
ما أن اندلعت الثورة التونسية المباركة، و ظهر جليا أنها واقع ولم تعد حلما، حتى انطلقت في البلدان المجاورة طاحونة الإعلام الجهنمي لدول الإستبداد في الجوار المغاربي والشرق أوسطي، لتطويق إشعاع الحدث والحد من تداعياته الإيجابية لصالح شعوب المنطقة، وانطلقت معها بشكل متزامن ترسانة العمل المخابراتي ودسائس كواليس النظام العربي المتخلف لتطويق الثورة وإجهاض مكاسبها داخل تونس نفسها.

هكذا بدأنا نسمع بعض حواريي النظام المغربي العتيق يكتبون عن “عراقة الدولة المغربية” وتجذر نظامها، مما يعطيها “المناعة” الكافية لتجنب ما حدث في تونس، وكأن ما حدث في تونس جريمة أو انحراف أو زيغ ينبغي تلافيه، وكأن الفقر والتهميش واللامساواة والفساد والعنصرية ومافيات الإقتصاد هي وبال على تونس و برد وسلام على المغرب. وبدأنا نرى من يكتب عن الواقع المغربي الذي لم يبلغ بعد في أزمته مستوى ما بلغه الغليان في تونس، ورأينا من حاول إلصاق “شبهة” الثورة بأمريكا والأمبريالية، كما رأينا من تباكى على الدور الدنيء لفرنسا، الأم التي لم يعرف بعض المغاربة سواها على مدى الخمسين سنة المنصرمة، دون أن ننسى الذين علقوا كل شيء على مشجب أمريكا ناكرين إرادة شعب بكامله وتصميمه التام الذي لا رجعة فيه على التغيير.

والحقيقة المغربية التي ظلّ النسق السياسي وإعلامه يحاولون التغطية عليها هي أنه لا يمر أسبوع دون أن تعرف الجهات المهمشة ثورات وانتفاضات خبز وفقر وجوع، فمن “صفرو” إلى “بوعرفة” إلى “بومالن ن دادس” و”تنغير” ثم “سيدي إفني” إلى “أوناين” عبر “تيزي نسلي” بناحية أزيلال، مرورا بـ “أيت عبدي” و”أنفكو” و”الحسيمة” و” طاطا” و”العيون” ، ثم أخيرا سكان “توزونت” بناحية تافراوت بالأمس فقط أي الثلاثاء 25 يناير 2011.
هي انتفاضات وثورات وانفجارات صغيرة لم تكن تلقى الإهتمام الذي تستحق من وسائل الإعلام والقنوات الدولية، لأنها لا تجري في الحواضر الكبرى، التي تستقطب اهتمام الإعلاميين، ولكنها صرخات الهوامش المغيبة في برامج التنمية للدولة، تلك التي مازال البشر فيها يعامل كما تعامل البهائم، دون أي اعتبار لأبسط الحقوق، هي انتفاضات أهم ما فيها أنها توجه رسائل قوية إلى أولي الأمر ليعلموا أن الناس وإن ظلوا أميين بإرادة الدولة، التي ما زالت تعول على استعمالهم خزانا من الأصوات للتحكم في نتائج الإستحقاقات والمؤسسات المنتخبة، إلا أنهم واعون بحقوقهم وبكرامتهم كمواطنين، وأن الإفراط في نسيانهم فد يؤدي بهم إلى درجة الكفر بوطنيتهم المغربية واللجوء إلى بلد مجاور ليست الأحوال فيه بأفضل مما هم فيه، كما حدث لسكان بوعرفة الذين اتجهوا إلى الحدود الجزائرية بعد أن جمعوا بطائقهم الوطنية ووضعوها في كيس وبعثوا بها إلى عامل المنطقة علامة نزعهم للثقة من نظام سياسي لا يكف عن إنفاق الملايير في الإحتفالات والمواكب، دون أن يتورع عن تبرير تهميش مناطق بكاملها بنقص الميزانيات والإعتمادات.

نعم إن سكان البوادي المهمشة لا يشعلون النيران في أنفسهم، ولا ينتحرون على مرأى من الكاميرات وأمام الملإ، إنهم فلاحون ذوو إرادة وحنكة في مواجهة أعباء الحياة، لكنهم لا يتوقفون عن بعث الرسائل المتوالية إلى العاصمة ومراكز النفوذ والثروة، ليذكروهم بوجودهم، وآخر صرخة كانت بالأمس فقط يوم الثلاثاء 25 يناير صادرة عن سكان ناحية تافراوت الذين تعبوا من طرق الأبواب بسبب ما ألم بهم من بلاء من شركة “أونا” المعلومة ـ وما أدراك ما “أونا” ـ التي كان من سوء حظهم أنها اكتشفت الذهب الخالص في منطقتهم ونقلت إليها ترسانة معداتها الجهنمية. لتشرع في نقل خيرات ما تحت الأرض بالهليكوبتر في شبه عمل سرّي أمام أبصار السكان.
تعتمد الدولة المغربية قوانين فرنسية في استغلال الثروات الطبيعية التي هي ملك للدولة، لكنها تقوم بذلك كما يقوم بها الإستعمار تماما، أي نهب خيرات البلاد أمام سمع وبصر “الأنديجين” الذين ليس لهم حتى حق السؤال عن أبسط مصالحهم، النصوص الدولية المنظمة لهذه الحالة تقول إن أول ما ينبغي أن ترعاه الدولة هو مصالح السكان المتضررين، إذ لا يعقل أن تغتني الدولة على حساب منطقة يتم الحكم عليها بالإعدام والتصحّر القسري، وأولى مبادئ العدالة أن يشعر السكان بمردودية المنجم الذي في أرضهم على منطقتهم، والحال أن ما حدث بـ”تامسولت” هو أن “أونا” قد امتصت المياه الباطنية وخلقت جفافا أدى إلى تحويل حقول السكان إلى صحراء قاحلة بعد أن كانت ّأراض يانعة منذ قرون، ويعرف جميع من ينحدر من المنطقة المذكورة بأن ينابيع المياه العذبة لم تجف قط حتى في أكثر المراحل قحطا، إلى أن حطت “أونا” بقيمها الرأسمالية المتوحشة وبعقلية النهب المخزنية القديمة.

لم تقف خسائر السكان عند هذا الحدّ، فتصريف المياه المستعمله وفضلات المنجم يتم طرحها في الهواء الطلق رغم احتوائها على مواد سامة وخطيرة، مما يهدد البيئة والطيور والبهائم والحيوانات، كما أضرّ المنجم بالغطاء النباتي، وأصبح يهدد المياه الباطنية بالتسمم، وحطم طرق المواصلات التي ساهم السكان في تعبيدها بأموالهم بسبب شاحنات الشركة الضخمة، كل هذا جعل المنطقة تبدو في حالة كئيبة، فإذا كان لمعان الذهب يضيء بعض القصور والبنوك، فإنه ينعكس بشكل قاتم على سكان الأرض التي جادت به، وإذا كان من المفترض أن يبتهج السكان لأن منطقتهم تجود بالذهب الخالص للوطن، فإنهم في حال من الغليان والشعور بالإهانة مصدره ضياع أبسط حقوقهم .
و المثير للإستغراب هو الأساليب المراوغة التي استعملتها “أونا” للتملص من أداء واجبها تجاه السكان المتضررين، الذين ظلوا حتى الآن يعتبرون أنفسهم خاسرين، ويطالبون بالإنصاف.

ونجدنا اليوم محاصرين بالأسئلة التالية: لماذا لا يطرح موضوع كهذا في البرلمان المغربي رغم الإتصالات التي قام بها السكان من أجل ذلك؟ ولماذا يتهرب المسؤولون من هذا الملف بمجرد أن يتم اللجوء إليهم؟ ما هي الجهة في الدولة المخوّل لها إنصاف السكان في مثل هذا الموضوع؟ ولماذا تخلت الأحزاب السياسية عن السكان في محنتهم، لماذا لا يناقش موضوع قوانين استغلال الثروات الطبيعية لا في الحكومة ولا داخل البرلمان ولا في وسائل الإعلام العمومية؟، لماذا ورثت الدولة المغربية قوانين الإستعمار واستمرت في اعتمادها في مرحلة الإستقلال بشكل أكثر قسوة من الإستعمار نفسه الذي كان ـ بشهادة شيوخنا وأجدادنا ـ أكثر رأفة بالناس وحرصا على عدم الإضرار بهم؟ هذه أسئلة ينبغي الإجابة عليها بالوضوح اللازم إن كنا في دولة ترعى مصالح سكانها، لقد حدث نفس الشيء لسكان منطقة “إميضر” الذين ابتلوا بدورهم بوجود منجم الفضة ـ الثاني إفريقيا ـ بأراضيهم، والذين عانوا الأمرّين دون أن يجدوا من ينصفهم حتى الآن.

نعم لا شك أن الدولة المغربية ذات عراقة تمتد لآلاف السنين، ولا شك أن نظامها أكثر استقرارا من غيره، لكن عراقتها واستقرارها لا يشفعان لها في تبرير احتقار السكان وإهانتهم، فبالعدل والمساواة يكون دوام الملك وازدهار الحضارة، وباستعباد الناس تصاب شرعية السلطة بالهشاشة، ويفقد الناس ثقتهم فيها، ويكون الإنفجار.
0 التعليقات

Leave a Reply

yrdy
 
Amazighpress © 2011 SpicyTricks & ThemePacific.