arab-ency.com - محمد الزين
الرومان Romans أشهر وأعظم الشعوب الإيطالية القديمة. نسبوا أنفسهم إلى مدينة روما Roma ومؤسسها الأسطوري رومولوس Romulus، وأقاموا دولتهم الصغيرة على ضفاف نهر التيبر Tiber، وتمكنوا بعد صراع طويل ومرير من السيطرة على شبه الجزيرة الإيطالية أولا،ً ثم على بلدان حوض البحر المتوسط الواحد تلو الآخر، ليؤسسوا إحدى أهم الامبراطوريات وأشدها رسوخاً وأطولها عمراً في التاريخ القديم، وهي الامبراطورية الرومانية Imperium Romanum، التي امتدت من بريطانيا غرباً حتى الفرات شرقاً، ومن شواطئ بحر البلطيق شمالاً حتى جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية.
تعود أصولهم إلى الشعب اللاتيني من الفرع الإيطالي، في مجموعة الشعوب الهندو ـ أوربية، التي هاجرت إلى إيطاليا في أواخر الألف الثاني ق.م، واستقر هذا الشعب في سهل لاتيوم Latium في الوسط الغربي من إيطاليا المطل على البحر التيراني.
يّدعي الرومان أنهم ينتمون إلى جدهم الأسطوري البطل إينياس Aeneas الذي حملت ملحمتهم الشهيرة، الإنيادة اسمه، إنه ذلك الأمير الطروادي ابن الآلهة فينوس Venus، الذي نجا مع نفر من أتباعه بعد دمار طروادة على أيدي الإغريق وانطلق يبحث عن وطن جديد ليستقر به المقام، بعد تجوال طويل ومغامرات كثيرة على شواطئ إيطاليا، في منطقة لاتيوم التي تزوج ابنة ملكها وأنجب منها ابنه اسكانيوس (أو يولوس Iulus)، الذي أسس مدينة ألبا لونجا Alba Longa التي حكمتها سلالة أسطورية ضمت اثني عشر ملكاً كان آخرهم نوميتور الذي كان له ابنة تدعى ريا سيليفيا، اتصل بها الإله مارس Mars وأنجب منها التوأمين رومولوس وريموس Remus. وتختار العناية الإلهية رومولوس لتأسيس المدينة الخالدة التي ستحكم العالم فيما بعد، بمشيئة الآلهة ورعايتها، وكان ذلك في 21 آذار عام 753 ق.م كما يزعم الرومان في العصور اللاحقة، وفيها صاغ مؤرخوهم وشعراؤهم (في العصر الأغسطي) أسطورة تأسيس روما التي تقف على رأس التاريخ الروماني الذي ينقسم إلى ثلاثة عصور رئيسة هي: الملكي والجمهوري والامبراطوري.
العصر الملكي
تقول الروايات التاريخية الرومانية: حكم روما سبعة ملوك، كان أولهم مؤسسها رومولوس الذي وضع أسس الدولة الرومانية سياسياً واجتماعياً، وبعد أن حكمها نحو أربعين سنة اختفى فجأة في احتفال ديني وصعد إلى أبيه الإله مارس، وصار يعبد بوصفه الإله كويرينوس Quirinus.
ثم تسلم الحكم من بعده ثلاثة ملوك من أصل سابيني، وتلاهم ثلاثة آخرون من أصل إتروسكي، وهم على التوالي (مع سنوات حكمهم التقليدية):
ـ رومولوس(753ـ715ق.م) Romulus
ـ نوما بومبيليوس (715ـ673ق.م) Numa Pompilius
ـ توليوس هوستيليوس (673ـ641ق.م) Tullius Hostilius
ـ أنكوس ماركيوس (641ـ616ق.م) Ancus Marcius
ـ تركوينيوس بريسكوس (القديم) (616ـ578ق.م) Tarquinius Priscus
ـ سرفيوس توليوس (578ـ534ق.م) Servius Tullius
ـ تركوينيوس سوبربوس (المتغطرس) (534ـ510ق.م) Tarquinius Superbus
وانتهى الحكم الملكي بثورة وطنية،قام بها الأشراف وأدت إلى طرد آخر الملوك الإتروسكيين، وإعلان الجمهورية نحو عام 509ق.م.
ظلت هذه الروايات، عن أصول روما وعصرها الملكي وسير ملوكها السبعة، معتمدة زمناً طويلاً بفضل المؤرخ الروماني الكبير ليفيوس (59ـ17ق.م) Livius الذي أضفى عليها هالة من المجد في تاريخه الضخم «منذ تأسيس روما» Ab urbe conditaحتى جاء النقد التاريخي الحديث ليدحض معظم هذه الروايات في تفاصيلها، وقد قدمت التنقيبات الأثرية الحديثة والدراسات التاريخية واللغوية معلومات تدعم التراث التاريخي الروماني في جوهره، وأن تأسيس روما يعود إلى القرن الثامن ق.م، ولكن ينبغي وضع التاريخ الروماني الباكر في إطار تاريخ إيطاليا في الألف الأول الذي تأثر بظهور ثلاثة شعوب هم: الفينيقيون والإغريق والإتروسكيون.
وقد كان للإتروسكيين [ر] اليد الطولى في نقل التراث الحضاري القديم إلى إيطاليا وروما التي سيطروا عليها في مطلع القرن السادس ق.م، ووحدوا المستوطنات اللاتينية الأربع (روما كوادراتا) مع المستوطنات السابينية الثلاث، وحولوها إلى مدينة بالمعنى الحقيقي للكلمة وجعلوا منها أهم مركز سياسي وديني في اللاتيوم تزهو بأسوارها ومعبد كبير الآلهة جوبتير الكابيتولي وسوقها وساحتها العامة أي الفوروم رومانوم Forum Romanum. ومن هؤلاء الإتروسكيين انفتحت روما على التأثيرات الحضارية الهيلينية وانتزعت زعامة الحلف اللاتيني من ألبا لونجا.
كانت روما في ذلك العصر دولة مدينة، تتألف مؤسسات الحكم فيها من الملك rex الذي يملك سلطة مطلقة سواء في السلم أو الحرب (سلطة الأمبريوم Imperium). فقد كان القائد العسكري والقاضي الأعلى ورئيس الكهنة، ولكن منصبه لم يكن وراثياً، وإنما عن طريق الاختيار.
أما مجلس الشيوخ (سناتوس Senatus) فكان يضم رؤساء الأسر الكبيرة المتنفذة، وهو مجلس استشاري وسلطته معنوية وله الدور الأول في اختيار الملك. وكان إعلان الحرب والمصادقة على اختيار الملك يتطلب موافقة الشعب الذي يجتمع لهذا الغرض، في جماعات تدعى (مجلس الجماعات) curiae، وكان يتألف من المزارعين والرعاة والحرفيين.
العصر الجمهوري (509ـ27 ق.م)
شهدت بدايات القرن الخامس قبل الميلاد أحداثاً جساماً، تمثلت في التحرر من السيطرة الإتروسكية وإلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري. وكان من نتيجة ذلك أن استولى الأشراف الأرستقراطيون (المنظمون في عشائر gentes، والمدعومون من أتباعهم ومواليهم) على مقاليد السلطة في روما، واستأثروا على مدى عشرات السنين، بكل الامتيازات السياسية والدينية والقانونية التي كان يمارسها الملوك.
بالمقابل، فإن العوام كانوا محرومين من مختلف الحقوق، مما أدى إلى عصيانهم وتهديدهم بالانفصال عن روما، مما دفع الأشراف إلى تقديم بعض التنازلات. وهكذا تميزت بدايات الجمهورية باندلاع الصراع الطبقي بين الأشراف patres والعامة plebs الذين طالبوا بالمساواة في الحقوق السياسية والدينية والخلاص من عبودية الدين والحصول على نصيب عادل من أملاك الدولة الرومانية.
ولتنامي أهمية دورهم العسكري بسبب الحروب المتواصلة التي خاضها الرومان مع الشعوب والقبائل المجاورة، فقد نجح العامة بعد صراع طويل في الحصول على المساواة القانونية بطبقة الأشراف. ومن أهم المعالم في تاريخ هذا الصراع اتفاق الجبل المقدس الذي نص على إنشاء جمعية للعوام ومؤسسة الترابنة الشعبيين، الذين يدافعون عن حقوق العوام ويردون الظلم عنهم.
كما تم الاتفاق عام 451 ق.م على تدوين القوانين الرومانية، فيما أصبح يعرف بقوانين الألواح الاثني عشر، وهي أقدم مدونة للحقوق الرومانية. كما حصل العامة على حق الزاوج من الأشراف، ونالوا في عام 367 ق.م، حق تقلد القنصلية وأن يكون أحد القنصلين من العوام.
وأخيراً صارت قرارات مجالس العامة بموجب قانون هورتنسيوس عام 287 ق.م سارية المفعول على الشعب الروماني بأكمله.
وبذلك انتهى الصراع الطبقي الباكر في الجمهورية الرومانية، وكان المستفيد الأكبر منه أثرياء العوام الذين بدؤوا يندمجون مع طبقة الأشراف ليشكلوا طبقة عليا جديدة. واكتمل كذلك الدستور الجمهوري الذي يرتكز على ثلاث دعائم تتمثل في مناصب الحكام ومجلس الشيوخ والجمعيات الشعبية، وهو دستور مختلط كما يصفه المؤرخ الإغريقي بوليبيوس (200ـ120ق.م) يستفيد من حسنات ومزايا الأنظمة الملكية والأرستقراطية والديمقراطية. ولكن السلطة الفعلية كانت في الحقيقة بيد مجلس الشيوخ الذي كان يضم كبار رجال الدولة وممثلي العائلات النبيلة.
اعتمد الرومان مفهوم التسلسل في الوظائف العامة الذي يحدد مناصب الحكام بالتدرج من الأدنى إلى الأعلى، حيث يبدأ الحاكم سيرته بالمناصب المالية (كويستور quaestor) والبلدية (ايديل aedilis)، ثم يشغل منصب القضاء (برايتور praetor)، ويتوجه أخيراً بمنصب القنصل consul. وهذا مادعاه الرومان بتسلسل الأمجاد أو السلم الوظيفي cursus honorum، وكانت جميع هذه الوظائف فخرية وسنوية، وتتم بالانتخاب ويشغلها على الأقل اثنان يتمتع كل منهما بحق الاعتراض veto.
وإلى جانب هذه الوظائف النظامية، كان هناك وظائف استثنائية تتمثل في منصب الدكتاتور وترابنة العامة ومراقبي الإحصاء والأخلاق العامة. وكان أولئك الحكام ينتخبون من قبل الشعب الروماني الذي كان ينتظم في مجالس شعبية أهمها الجمعيات المئوية comitia centuriata وهي خلايا عسكرية تقسم المواطنين إلى خمس طبقات تبعاً لثروتهم حيث تستأثر الطبقة الأولى بغالبية الأصوات. وكان يوجد إلى جانبها الجمعيات القبلية comitia triluta التي التحمت معها جمعيات العوام.
أما على الصعيد الخارجي فقد خاض الرومان حروباً كثيرة ضد جيرانهم الإتروسكيين والفولسكيين واللاتين، وحققوا مغانم كبيرة، ولكن جاء الغزو الكلتي لروما ونهبها عام 387ق.م ليقضي على هذه النجاحات، ووجب على الرومان فرض سيطرتهم من جديد. وكانت الحرب مع السامينين Samnites في جبال الأبنين من أشد هذه الحروب خطراً، وتمكن الرومان بعد ثلاث حروب ضارية (343ـ290ق.م) من إخضاعهم، ومعهم شبه الجزيرة الإيطالية، ما عدا المدن الإغريقية في الجنوب التي تصدت للرومان بزعامة مدينة تارنـــت Tarentum واستنجدت بالملك بيروس Pyrrhus الذي جاء من بلاد اليونان وخاض عدة معارك غير حاسمة مع الرومان، انتهت بانسحابه وعودته إلى بلاده تاركاً المدن الإغريقية لمصيرها المحتوم وانتهت الحرب باستسلام تارنت عام 272ق.م، وبذلك صار الرومان سادة إيطاليا، وانتهت المرحلة الأولى من بناء امبراطوريتهم، وكان ذلك تمهيداً للصراع مع قرطاجة سيدة الحوض الغربي للبحر المتوسط.
واندلعت ثلاث حروب مدمرة بين القوتين الكبيرتين عرفت باسم الحروب البونية[ر] (264ـ146ق.م) التي كانت من أعظم الصراعات في التاريخ القديم، وكادت ثانيتها تصل بروما إلى حافة الهاوية على يد هانيبال الذي عجزت عبقريته العسكرية الفذة عن تقويض بنيان الدولة الرومانية. وصمد الرومان وانتصروا أخيراً وجعلوا من قرطاجة دولة تأتمر بأمرهم، ثم قاموا في نهاية المطاف بتدميرها عام 146ق.م، وخرجوا من هذا الصراع وهم سادة الغرب بلا منازع.
ولكن ما كادت الحرب البونية الثانية تضع أوزارها حتى شرع الرومان في المرحلة الثالثة من بناء امبراطوريتهم المتمثلة في السيطرة على الشرق الهلنستي الذي كانت تتزعمه ثلاث ممالك هي المقدونية والسلوقية والبطلمية. وبدأ الصدام مع فيليب الخامس المقدوني بإخضاع مقدونيا أولاً ثم بلاد اليونان بصورة نهائية عام 146ق.م، وتحويلهما إلى ولايتين رومانيتين، كما تمكن الرومان من هزيمة أنطيوخوس الثالث في معركة ماغنيزية عام 190ق.م وتجريد السلوقيين من ممتلكاتهم في بحر إيجه وآسيا الصغرى وفرض التبعية عليهم في معاهدة أفاميا 188ق.م التي جعلت المملكة السلوقية تحت رحمة روما.
أما البطالمة فاختاروا المهادنة والانصياع لرغبات الرومان، مثلما فعلت مملكة برغامة وجمهورية رودس. وهكذا سيطر الرومان على الممالك والدول الهلنستية الواحدة تلو الأخرى، ثم خاضوا عدة حروب مع مثريداتس ملك البونت انتهت بهزيمته وانتحاره وبالاستيلاء على آسيا الصغرى بأكملها. وبعدها قضى القائد الروماني بومبيوس [ر] على المملكة السلوقية وحوّل سورية إلى ولاية رومانية عام 64ق.م، وهكذا وصلت حدود الامبراطورية إلى نهر الفرات الذي يفصلها عن المملكة الفرثية في الشرق. وأخيراً جاء دور المملكة البطلمية التي سقطت في خضم الصراع على التفرد بالحكم بين أنطونيوس واوكتافيان، وصارت مصر ولاية رومانية عام 30ق.م، وبذلك فرض الرومان سيطرتهم على الحوض الشرقي للبحر المتوســـط، الذي غدا بأكمله بحيرة رومانية، فلا عـــجب أن ســــــماه الرومان «بحرنا» mare nostrum.
نجح الرومان في تحقيق هذه الانتصارات الكبيرة بصمودهم وتضحياتهم وجيوشهم المدربة والوسائل الحربية والسياسية التي أحسنوا استخدامها والتي ضمنت لهم الغلبة والتفوق على خصومهم، وكانوا يثبتون انتصاراتهم الحربية بإنشاء ولايات وتنظيمها وعقد التحالفات مع الشعوب المغلوبة وإقامة المستعمرات والطرق العسكرية التي تضمن لهم دوام السيطرة على المناطق المحتلة.
كان لهذه الحروب والانتصارات والفتوحات نتائج خطيرة على الدولة والمجتمع الروماني، إذ أظهرت الأحداث إخفاق دستور الدولة المدينة وعدم كفايته لحكم امبراطورية شملت عالم البحر المتوسط، وتنامت سلطة الحكام وقواد الجيوش، وتشكل حزبان متنافسان على الصعيد السياسي هما الحزب الأرستقراطي Optimates والحزب الشعبي Populares، وظهرت طبقة الفرسان قوة سياسية جديدة تمثل طبقة رجال المال والأعمال وكبار التجار. وغمر الثراء العاصمة من جميع الأقاليم وازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وانهارت طبقة صغار المزارعين ونزح الكثيرون إلى روما وكوّنوا بروليتاريا مدنية يمكن شراء أصواتها مقابل مكاسب مادية. ورافق ذلك ظهور الملكيات الكبيرة Latifundia واستبدل المزارعون الأحرار بالعبيد وأسرى الحروب الذين تدفقوا على روما وإيطاليا بأعداد هائلة، فاستغلوا في المزارع والمناجم والمصانع والبيوت أبشع استغلال فثاروا للتخلص من نير العبودية، وبدأت ثورات العبيد التي قاد أولها (136ـ132ق.م) أحد الأسرى السوريين المدعو يونس Eunus الذي جّند عشرات الألوف من العبيد الثائرين في جزيرة صقلية، ونصّب نفسه ملكاً عليهم باسم أنطيوخوس ولكن الرومان قمعوا تلك الثورة بمنتهى الوحشية وصلبوا 20 ألفاً من الثائرين ليكونوا عبرة للآخرين. لكن العبيد ثاروا من جديد، وأخيراً اندلعت حرب العبيد الكبرى (73ـ71ق.م) بقيادة سبارطاكوس[ر] التي اجتاحت مناطق واسعة من إيطاليا، ولم يتمكن الرومان من سحقها إلا بعد جهود شاقة وتجنيد قوات عسكرية هائلة بقيادة كبار قوادهم.وأدى تفاقم الصراعات السياسية والاجتماعية والحربية في المرحلة الأخيرة من العهد الجمهوري إلى تسميتها بعصر الثورة الرومانية (133ـ31ق.م).
وقد بدأ بحركة الأخوين غراكوس Gracchus عام 133ق.م، التي نادت بالإصلاح الاجتماعي وتحديد الملكية الزراعية والنهوض بطبقة صغار الفلاحين، ومساعدة الطبقة البروليتارية، والحد من امتيازات الطبقة الأرستقراطية الحاكمة. ولكن هذه الحركة قمعت بمنتهى العنف وقتل زعماؤها،غير أن الأفكار التي طرحتها ستبقى تحرك الجماهير سنين طويلة. وجاءت الحرب ضد يوغورتا في الشمال الإفريقي (111ـ105ق.م) ثم غزو القبائل الجرمانية التوتونية وإلحاقها الهزائم بالجيوش الرومانية ليظهرا فساد الطبقة الأرستقراطية من جهة والحاجة إلى إصلاحات عسكرية من جهة أخرى، غيرت من طبيعة الجيش الروماني وحولته إلى جيش محترف يقوم على مبدأ التطوع وامتهان الجندية بدلاً من تجنيد المواطنين. وهكذا بدأ ولاء الجيوش يتجه نحو قوادها.
وثار الحلفاء الإيطاليون على الرومان يطالبون بالمساواة وحقوق المواطنة، وتم لهم ذلك بعد الحرب الاجتماعية (91ـ88ق.م) وأصبح جميع سكان إيطاليا الأحرار مواطنين رومان، وتوسعت بذلك قاعدة الشعب الحاكم للامبراطورية.
واندلعت أولى الحروب الأهلية الرومانية بين الشعبيين بقيادة ماريوس Marius والأرستقراطيين بقيادة سولا Sylla الذي خرج منتصراً وتقلد سلطات دكتاتورية مطلقة أعاد بموجبها السيطرة إلى مجلس الشيوخ. لكن النظام الأرستقراطي الذي أقامه بدأ يتهاوى وألغيت القوانين التي تحد من سلطات الترابنة الشعبيين وظهر قائد جديد من طبقة الفرسان هو بومبيوس [ر] الذي منح سلطات استثنائية وحقق انتصارات عسكرية باهرة على العبيد الثائرين والقراصنة ومثريداتس وأخضع الشرق للسيطرة الرومانية، وتزامن ذلك مع ظهور قائد كبير آخر هو يوليوس قيصر Julius Caesar الذي تزعم الحزب الشعبي، رغم منبته الأرستقراطي، وعقد مع بومبيوس وكراسوس التحالف الثلاثي الأول عام 60ق.م للسيطرة على السياسة الرومانية. ولكن التنافس بين الزعيمين الكبيرين اشتد بعد مقتل حليفهما وصعود نجم قيصر نتيجة فتحه بلاد الغال، واندلعت الحرب الأهلية من جديد بين قيصر وأنصاره الشعبيين وبومبيوس المتحالف مع مجلس الشيوخ، وحسمت معركة فرسالوس عام 48ق.م الصراع بهزيمة بومبيوس ومقتله. وخاض قيصر معارك مظفرة ضد أنصار النظام الجمهوري في إفريقيا وإسبانيا ليعود عام 45ق.م وقد صار الحاكم المطلق للامبراطورية، وتسلم السلطة الدكتاتورية مدى الحياة وبدأ مشروعاته الإصلاحية السياسية والاجتماعية، ولكنه سرعان ما سقط صريعاً في مجلس الشيوخ عام 44ق.م على أيدي خصومه السياسيين من أنصار النظام الجمهوري الأرستقراطي. ويتجدد الصراع بين أنصار قيصر وقتلته والذي انتهى بهزيمة الجمهوريين في معركة فيليبي عام 42ق.م وبرز القائدان ماركوس أنطونيوس [ر] وأكتافيان اللذان اقتسما مناطق النفوذ في الامبراطورية حتى معركة أكتيوم عام 31ق.م التي حسمت الأمور لصالح أوكتافيان الذي لاحق غريمه وحليفته كليوباترة إلى الإسكندرية حيث لقيا مصيرهما وتحولت مصر إلى ولاية رومانية. وعاد أوكتافيان إلى روما وقد صار سيد الامبراطورية بلا منازع ويبدأ صفحة جديدة في تاريخ الرومان هو:
العصر الامبراطوري الروماني (27ق.م ـ476م)
بدأ أغسطس في عام 27 ق.م إصلاحاته السياسية التي كوّنت أسس النظام الامبراطوري الجديد التي ترسخت على مدى نصف قرن تقريباً من حكمه المديد. وقد أبقى على جميع مؤسسات الدستور الجمهوري وحافظ على مظهرها، ويدّعي في سجل أعماله الخالدة أنه أعاد الجمهورية الرومانية إلى سابق عهدها، هذا في الوقت الذي تركزت فيه السلطات الفعلية العسكرية والمدنية والدينية في شخص الامبراطور الذي صار بموجب السلطة البروقنصلية القائد الأعلى للجيوش الرومانية وحاكم أهم الولايات وأغناها، وبموجب السلطة التريبونية ممثل الشعب الروماني، كما أنه تسلم سلطات قنصلية أتاحت لـــه رئاسة مجلس الشيوخ والإشراف على أمور روما الأمنية والتموينية. وقد أشرك أغسطس مجلس الشيوخ في نظام الحكم الجديد، إذ ترك له الإشراف على الخزينة الرومانية وحكم عدد من الولايات الصغيرة، واختار من طبقة الشيوخ كثيراً من الولاة والقادة وكبار الموظفين، كما أنه أشرك طبقة الفرسان في إدارة الامبراطورية والإشراف على الأمور المالية بحيث صارت الطبقة الثانية في الهرم الاجتماعي. لم يفرض أغسطس نظامه الجديد على الرومان دفعة واحدة، وإنما كان يراجع إصلاحاته في ضوء التجربة العملية.
كان يسعى إلى المحافظة على التقاليد الرومانية وإلى إعادة الحياة للديانة الرومانية والمجالس الكهنوتية، كما كان يراعي مشاعر الطبقة الأرستقراطية ويعاملها بذكاء ودهاء حتى تمكن من كسبها للمشاركة الفعالة في النظام الامبراطوري، الذي لم يكن ملكياً أو وراثياً وإنما هو نظام مستوحى من التقاليد الجمهورية ليفي بمتطلبات حكم امبراطورية ودولة عالمية. وقد كتب له البقاء والاستمرار من دون تغييرات جوهرية ما يقرب من ثلاثة قرون حتى إصلاحات ديوقليسيان[ر] وقسطنطين الكبير التي حولت نظام الحكم الرئاسي الأغسطي Principatus إلى نظام امبراطوري ملكي مستبد.
وقد تعاقب على الحكم عدد كبير من الأباطرة الذين يصنفون عادة في سلالات أو أسر حاكمة وهي:
ـ الأسرة اليولية ـ الكلاودية (14ـ68م): التي تمثلت في حكم أربعة أباطرة جاؤوا بعد أغسطس، وهم أبناء وأحفاد زوجته ليفيا من زوجها الأول كلاوديوس، وينتمون إلى الأسرة اليولية بالتبني، وقد انتحر آخرهم بعد الثورة عليه، ونشب صراع بين قادة الجيوش الرومانية خرج منه فسباسيانوس منتصراً وأسس الأسرة الفلافية.
ـ الأسرة الفلافية (69ـ96م) حكم منها فسباسيانوس وأبناه من بعده تيتوس[ر] ودوميسيان[ر] الذي سقط نتيجة مؤامرة بسبب استبداده في الحكم.
ـ الأباطرة الأنطونينيون (أو الأباطرة بالتبني) (96ـ192م):
وهم نرفا وترايانوس[ر] وهادريان وأنطونينوس بيوس[ر] وماركوس أوريليوس[ر] وابنه الامبراطور كومودوس، وقد بلغت الامبراطورية في عهدهم أقصى درجات اتساعها وتطورها وازدهارها، وانتهى آخرهم مقتولاً، وبدأ صراع على السلطة بين قادة الجيوش الكبار خرج منه سبتيميوس سفيروس[ر] منتصراً ليؤسس أسرة جديدة.
ـ الأسرة السفيرية (أو الليبية ـ السورية) (193ـ235م):
وجاء نتيجة زواج سفيروس من الأميرة الحمصية يوليا دومنا، وقد برز منها الامبراطور كراكلا صاحب المرسوم الشهير الذي منح حقوق المواطنة الرومانية لكل سكان الامبراطورية الأحرار.
وبعد اغتيال اسكندر سفيروس (235م) غرقت الامبراطورية في بحر من الفوضى السياسية والعسكرية تناوب على الحكم فيها على مدى خمسين سنة عشرات الأباطرة الذين نصبهم الجنود وخلعوهم وقتلوهم، وعرفوا باسم الأباطرة العسكريين (235ـ284م) ومن أشهرهم فيليب العربي[ر] الذي احتفلت روما في عهده بعيد تأسيسها الألفي، والامبراطور أوريليان[ر] الذي تغلب على زنوبيا وقضى على دولة تدمر.
وترجع معظم الصعاب التي عانتها الامبراطورية في هذا القرن الثالث إلى سببين رئيسين: يتمثلان في اشتداد ضغط القبائل الجرمانية على جبهتي الراين والدانوب، وفي قيام الامبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق، والتي سعت إلى استعادة أمجاد الامبراطورية الأخمينية والوصول إلى البحر المتوسط فكانت الحروب لا تنقطع معها.
وقد نجم عن هذه الفوضى السياسية والعسكرية أزمة اقتصادية كبيرة بسبب أعباء الحروب المتواصلة والضرائب والأتاوى واستغلال الطبقات العليا وجشعها، وظهر المنقذ من هذه الأوضاع المتردية في شخص الامبراطور ديوقليسيان[ر] (284ـ305م) الذي قام بإصلاحات عسكرية وإدارية واقتصادية جذرية، وحاول حل مشكلة العرش وإبعاد الجيش عن السياسة وإنقاذ الديانة الوثنية الرومانية من انتشار المسيحية بملاحقة أتباعها واضطهادهم. ولكن لم يكتب لهذه الإصلاحات الاستمرار والبقاء وعاد الصراع على العرش مجدداً، وخرج منه الامبراطور قسطنطين الكبير فوطد دعائم الامبراطورية الرومانية الشرقية على أسس جديدة، وبنى عاصمة جديدة سماها باسمه (القسطنطينية). أما روما فقد تراجعت أهميتها وعانت الحروب وغزوات القبائل الجرمانية، وهكذا لفظت الامبراطورية الرومانية أنفاسها في الغرب وسقطت روما عام 476م بيد القبائل الجرمانية، وكان ذلك منعطفاً لعصر جديد في أوربا وبداية العصور الوسطى.
وهكذا ينتهي تاريخ الرومان، ذلك الشعب الذي اتصف بعبقرية عسكرية وسياسية وإدارية وقانونية فريدة، وأقام امبراطورية عالمية امتدت على قارات العالم القديم الثلاث وضمت حوض البحر المتوسط وجميع بلدانه للمرة الأولى والوحيدة في التاريخ. لقد ترك الرومان تراثاً قانونياً وسياسياً كبيراً لا يزال له تأثيره في العالم المعاصر، وتركوا كذلك صروحاً خالدة في كل مكان رفرفت عليه راياتهم، تمثلت في مئات المدن التي زهت بأبنيتها الفخمة وأقواس النصر والمسارح والملاعب والحمامات وأقنية المياه والطرقات التي تقود إلى أنحاء امبراطوريتهم كافة وإلى مدينتهم الخالدة روما.
لقد أذهلت انتصارات الرومان وإنجازاتهم الكبيرة وعظمة امبراطوريتهم كثيراً من الأقدمين والمحدثين الذين رأوا في روما معجزة مستمرة لن يحلم العالم بتكرارها ثانية، كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
الرومان Romans أشهر وأعظم الشعوب الإيطالية القديمة. نسبوا أنفسهم إلى مدينة روما Roma ومؤسسها الأسطوري رومولوس Romulus، وأقاموا دولتهم الصغيرة على ضفاف نهر التيبر Tiber، وتمكنوا بعد صراع طويل ومرير من السيطرة على شبه الجزيرة الإيطالية أولا،ً ثم على بلدان حوض البحر المتوسط الواحد تلو الآخر، ليؤسسوا إحدى أهم الامبراطوريات وأشدها رسوخاً وأطولها عمراً في التاريخ القديم، وهي الامبراطورية الرومانية Imperium Romanum، التي امتدت من بريطانيا غرباً حتى الفرات شرقاً، ومن شواطئ بحر البلطيق شمالاً حتى جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية.
تعود أصولهم إلى الشعب اللاتيني من الفرع الإيطالي، في مجموعة الشعوب الهندو ـ أوربية، التي هاجرت إلى إيطاليا في أواخر الألف الثاني ق.م، واستقر هذا الشعب في سهل لاتيوم Latium في الوسط الغربي من إيطاليا المطل على البحر التيراني.
يّدعي الرومان أنهم ينتمون إلى جدهم الأسطوري البطل إينياس Aeneas الذي حملت ملحمتهم الشهيرة، الإنيادة اسمه، إنه ذلك الأمير الطروادي ابن الآلهة فينوس Venus، الذي نجا مع نفر من أتباعه بعد دمار طروادة على أيدي الإغريق وانطلق يبحث عن وطن جديد ليستقر به المقام، بعد تجوال طويل ومغامرات كثيرة على شواطئ إيطاليا، في منطقة لاتيوم التي تزوج ابنة ملكها وأنجب منها ابنه اسكانيوس (أو يولوس Iulus)، الذي أسس مدينة ألبا لونجا Alba Longa التي حكمتها سلالة أسطورية ضمت اثني عشر ملكاً كان آخرهم نوميتور الذي كان له ابنة تدعى ريا سيليفيا، اتصل بها الإله مارس Mars وأنجب منها التوأمين رومولوس وريموس Remus. وتختار العناية الإلهية رومولوس لتأسيس المدينة الخالدة التي ستحكم العالم فيما بعد، بمشيئة الآلهة ورعايتها، وكان ذلك في 21 آذار عام 753 ق.م كما يزعم الرومان في العصور اللاحقة، وفيها صاغ مؤرخوهم وشعراؤهم (في العصر الأغسطي) أسطورة تأسيس روما التي تقف على رأس التاريخ الروماني الذي ينقسم إلى ثلاثة عصور رئيسة هي: الملكي والجمهوري والامبراطوري.
العصر الملكي
تقول الروايات التاريخية الرومانية: حكم روما سبعة ملوك، كان أولهم مؤسسها رومولوس الذي وضع أسس الدولة الرومانية سياسياً واجتماعياً، وبعد أن حكمها نحو أربعين سنة اختفى فجأة في احتفال ديني وصعد إلى أبيه الإله مارس، وصار يعبد بوصفه الإله كويرينوس Quirinus.
ثم تسلم الحكم من بعده ثلاثة ملوك من أصل سابيني، وتلاهم ثلاثة آخرون من أصل إتروسكي، وهم على التوالي (مع سنوات حكمهم التقليدية):
ـ رومولوس(753ـ715ق.م) Romulus
ـ نوما بومبيليوس (715ـ673ق.م) Numa Pompilius
ـ توليوس هوستيليوس (673ـ641ق.م) Tullius Hostilius
ـ أنكوس ماركيوس (641ـ616ق.م) Ancus Marcius
ـ تركوينيوس بريسكوس (القديم) (616ـ578ق.م) Tarquinius Priscus
ـ سرفيوس توليوس (578ـ534ق.م) Servius Tullius
ـ تركوينيوس سوبربوس (المتغطرس) (534ـ510ق.م) Tarquinius Superbus
وانتهى الحكم الملكي بثورة وطنية،قام بها الأشراف وأدت إلى طرد آخر الملوك الإتروسكيين، وإعلان الجمهورية نحو عام 509ق.م.
ظلت هذه الروايات، عن أصول روما وعصرها الملكي وسير ملوكها السبعة، معتمدة زمناً طويلاً بفضل المؤرخ الروماني الكبير ليفيوس (59ـ17ق.م) Livius الذي أضفى عليها هالة من المجد في تاريخه الضخم «منذ تأسيس روما» Ab urbe conditaحتى جاء النقد التاريخي الحديث ليدحض معظم هذه الروايات في تفاصيلها، وقد قدمت التنقيبات الأثرية الحديثة والدراسات التاريخية واللغوية معلومات تدعم التراث التاريخي الروماني في جوهره، وأن تأسيس روما يعود إلى القرن الثامن ق.م، ولكن ينبغي وضع التاريخ الروماني الباكر في إطار تاريخ إيطاليا في الألف الأول الذي تأثر بظهور ثلاثة شعوب هم: الفينيقيون والإغريق والإتروسكيون.
وقد كان للإتروسكيين [ر] اليد الطولى في نقل التراث الحضاري القديم إلى إيطاليا وروما التي سيطروا عليها في مطلع القرن السادس ق.م، ووحدوا المستوطنات اللاتينية الأربع (روما كوادراتا) مع المستوطنات السابينية الثلاث، وحولوها إلى مدينة بالمعنى الحقيقي للكلمة وجعلوا منها أهم مركز سياسي وديني في اللاتيوم تزهو بأسوارها ومعبد كبير الآلهة جوبتير الكابيتولي وسوقها وساحتها العامة أي الفوروم رومانوم Forum Romanum. ومن هؤلاء الإتروسكيين انفتحت روما على التأثيرات الحضارية الهيلينية وانتزعت زعامة الحلف اللاتيني من ألبا لونجا.
كانت روما في ذلك العصر دولة مدينة، تتألف مؤسسات الحكم فيها من الملك rex الذي يملك سلطة مطلقة سواء في السلم أو الحرب (سلطة الأمبريوم Imperium). فقد كان القائد العسكري والقاضي الأعلى ورئيس الكهنة، ولكن منصبه لم يكن وراثياً، وإنما عن طريق الاختيار.
أما مجلس الشيوخ (سناتوس Senatus) فكان يضم رؤساء الأسر الكبيرة المتنفذة، وهو مجلس استشاري وسلطته معنوية وله الدور الأول في اختيار الملك. وكان إعلان الحرب والمصادقة على اختيار الملك يتطلب موافقة الشعب الذي يجتمع لهذا الغرض، في جماعات تدعى (مجلس الجماعات) curiae، وكان يتألف من المزارعين والرعاة والحرفيين.
العصر الجمهوري (509ـ27 ق.م)
شهدت بدايات القرن الخامس قبل الميلاد أحداثاً جساماً، تمثلت في التحرر من السيطرة الإتروسكية وإلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري. وكان من نتيجة ذلك أن استولى الأشراف الأرستقراطيون (المنظمون في عشائر gentes، والمدعومون من أتباعهم ومواليهم) على مقاليد السلطة في روما، واستأثروا على مدى عشرات السنين، بكل الامتيازات السياسية والدينية والقانونية التي كان يمارسها الملوك.
بالمقابل، فإن العوام كانوا محرومين من مختلف الحقوق، مما أدى إلى عصيانهم وتهديدهم بالانفصال عن روما، مما دفع الأشراف إلى تقديم بعض التنازلات. وهكذا تميزت بدايات الجمهورية باندلاع الصراع الطبقي بين الأشراف patres والعامة plebs الذين طالبوا بالمساواة في الحقوق السياسية والدينية والخلاص من عبودية الدين والحصول على نصيب عادل من أملاك الدولة الرومانية.
ولتنامي أهمية دورهم العسكري بسبب الحروب المتواصلة التي خاضها الرومان مع الشعوب والقبائل المجاورة، فقد نجح العامة بعد صراع طويل في الحصول على المساواة القانونية بطبقة الأشراف. ومن أهم المعالم في تاريخ هذا الصراع اتفاق الجبل المقدس الذي نص على إنشاء جمعية للعوام ومؤسسة الترابنة الشعبيين، الذين يدافعون عن حقوق العوام ويردون الظلم عنهم.
كما تم الاتفاق عام 451 ق.م على تدوين القوانين الرومانية، فيما أصبح يعرف بقوانين الألواح الاثني عشر، وهي أقدم مدونة للحقوق الرومانية. كما حصل العامة على حق الزاوج من الأشراف، ونالوا في عام 367 ق.م، حق تقلد القنصلية وأن يكون أحد القنصلين من العوام.
وأخيراً صارت قرارات مجالس العامة بموجب قانون هورتنسيوس عام 287 ق.م سارية المفعول على الشعب الروماني بأكمله.
وبذلك انتهى الصراع الطبقي الباكر في الجمهورية الرومانية، وكان المستفيد الأكبر منه أثرياء العوام الذين بدؤوا يندمجون مع طبقة الأشراف ليشكلوا طبقة عليا جديدة. واكتمل كذلك الدستور الجمهوري الذي يرتكز على ثلاث دعائم تتمثل في مناصب الحكام ومجلس الشيوخ والجمعيات الشعبية، وهو دستور مختلط كما يصفه المؤرخ الإغريقي بوليبيوس (200ـ120ق.م) يستفيد من حسنات ومزايا الأنظمة الملكية والأرستقراطية والديمقراطية. ولكن السلطة الفعلية كانت في الحقيقة بيد مجلس الشيوخ الذي كان يضم كبار رجال الدولة وممثلي العائلات النبيلة.
اعتمد الرومان مفهوم التسلسل في الوظائف العامة الذي يحدد مناصب الحكام بالتدرج من الأدنى إلى الأعلى، حيث يبدأ الحاكم سيرته بالمناصب المالية (كويستور quaestor) والبلدية (ايديل aedilis)، ثم يشغل منصب القضاء (برايتور praetor)، ويتوجه أخيراً بمنصب القنصل consul. وهذا مادعاه الرومان بتسلسل الأمجاد أو السلم الوظيفي cursus honorum، وكانت جميع هذه الوظائف فخرية وسنوية، وتتم بالانتخاب ويشغلها على الأقل اثنان يتمتع كل منهما بحق الاعتراض veto.
وإلى جانب هذه الوظائف النظامية، كان هناك وظائف استثنائية تتمثل في منصب الدكتاتور وترابنة العامة ومراقبي الإحصاء والأخلاق العامة. وكان أولئك الحكام ينتخبون من قبل الشعب الروماني الذي كان ينتظم في مجالس شعبية أهمها الجمعيات المئوية comitia centuriata وهي خلايا عسكرية تقسم المواطنين إلى خمس طبقات تبعاً لثروتهم حيث تستأثر الطبقة الأولى بغالبية الأصوات. وكان يوجد إلى جانبها الجمعيات القبلية comitia triluta التي التحمت معها جمعيات العوام.
أما على الصعيد الخارجي فقد خاض الرومان حروباً كثيرة ضد جيرانهم الإتروسكيين والفولسكيين واللاتين، وحققوا مغانم كبيرة، ولكن جاء الغزو الكلتي لروما ونهبها عام 387ق.م ليقضي على هذه النجاحات، ووجب على الرومان فرض سيطرتهم من جديد. وكانت الحرب مع السامينين Samnites في جبال الأبنين من أشد هذه الحروب خطراً، وتمكن الرومان بعد ثلاث حروب ضارية (343ـ290ق.م) من إخضاعهم، ومعهم شبه الجزيرة الإيطالية، ما عدا المدن الإغريقية في الجنوب التي تصدت للرومان بزعامة مدينة تارنـــت Tarentum واستنجدت بالملك بيروس Pyrrhus الذي جاء من بلاد اليونان وخاض عدة معارك غير حاسمة مع الرومان، انتهت بانسحابه وعودته إلى بلاده تاركاً المدن الإغريقية لمصيرها المحتوم وانتهت الحرب باستسلام تارنت عام 272ق.م، وبذلك صار الرومان سادة إيطاليا، وانتهت المرحلة الأولى من بناء امبراطوريتهم، وكان ذلك تمهيداً للصراع مع قرطاجة سيدة الحوض الغربي للبحر المتوسط.
واندلعت ثلاث حروب مدمرة بين القوتين الكبيرتين عرفت باسم الحروب البونية[ر] (264ـ146ق.م) التي كانت من أعظم الصراعات في التاريخ القديم، وكادت ثانيتها تصل بروما إلى حافة الهاوية على يد هانيبال الذي عجزت عبقريته العسكرية الفذة عن تقويض بنيان الدولة الرومانية. وصمد الرومان وانتصروا أخيراً وجعلوا من قرطاجة دولة تأتمر بأمرهم، ثم قاموا في نهاية المطاف بتدميرها عام 146ق.م، وخرجوا من هذا الصراع وهم سادة الغرب بلا منازع.
ولكن ما كادت الحرب البونية الثانية تضع أوزارها حتى شرع الرومان في المرحلة الثالثة من بناء امبراطوريتهم المتمثلة في السيطرة على الشرق الهلنستي الذي كانت تتزعمه ثلاث ممالك هي المقدونية والسلوقية والبطلمية. وبدأ الصدام مع فيليب الخامس المقدوني بإخضاع مقدونيا أولاً ثم بلاد اليونان بصورة نهائية عام 146ق.م، وتحويلهما إلى ولايتين رومانيتين، كما تمكن الرومان من هزيمة أنطيوخوس الثالث في معركة ماغنيزية عام 190ق.م وتجريد السلوقيين من ممتلكاتهم في بحر إيجه وآسيا الصغرى وفرض التبعية عليهم في معاهدة أفاميا 188ق.م التي جعلت المملكة السلوقية تحت رحمة روما.
أما البطالمة فاختاروا المهادنة والانصياع لرغبات الرومان، مثلما فعلت مملكة برغامة وجمهورية رودس. وهكذا سيطر الرومان على الممالك والدول الهلنستية الواحدة تلو الأخرى، ثم خاضوا عدة حروب مع مثريداتس ملك البونت انتهت بهزيمته وانتحاره وبالاستيلاء على آسيا الصغرى بأكملها. وبعدها قضى القائد الروماني بومبيوس [ر] على المملكة السلوقية وحوّل سورية إلى ولاية رومانية عام 64ق.م، وهكذا وصلت حدود الامبراطورية إلى نهر الفرات الذي يفصلها عن المملكة الفرثية في الشرق. وأخيراً جاء دور المملكة البطلمية التي سقطت في خضم الصراع على التفرد بالحكم بين أنطونيوس واوكتافيان، وصارت مصر ولاية رومانية عام 30ق.م، وبذلك فرض الرومان سيطرتهم على الحوض الشرقي للبحر المتوســـط، الذي غدا بأكمله بحيرة رومانية، فلا عـــجب أن ســــــماه الرومان «بحرنا» mare nostrum.
نجح الرومان في تحقيق هذه الانتصارات الكبيرة بصمودهم وتضحياتهم وجيوشهم المدربة والوسائل الحربية والسياسية التي أحسنوا استخدامها والتي ضمنت لهم الغلبة والتفوق على خصومهم، وكانوا يثبتون انتصاراتهم الحربية بإنشاء ولايات وتنظيمها وعقد التحالفات مع الشعوب المغلوبة وإقامة المستعمرات والطرق العسكرية التي تضمن لهم دوام السيطرة على المناطق المحتلة.
كان لهذه الحروب والانتصارات والفتوحات نتائج خطيرة على الدولة والمجتمع الروماني، إذ أظهرت الأحداث إخفاق دستور الدولة المدينة وعدم كفايته لحكم امبراطورية شملت عالم البحر المتوسط، وتنامت سلطة الحكام وقواد الجيوش، وتشكل حزبان متنافسان على الصعيد السياسي هما الحزب الأرستقراطي Optimates والحزب الشعبي Populares، وظهرت طبقة الفرسان قوة سياسية جديدة تمثل طبقة رجال المال والأعمال وكبار التجار. وغمر الثراء العاصمة من جميع الأقاليم وازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وانهارت طبقة صغار المزارعين ونزح الكثيرون إلى روما وكوّنوا بروليتاريا مدنية يمكن شراء أصواتها مقابل مكاسب مادية. ورافق ذلك ظهور الملكيات الكبيرة Latifundia واستبدل المزارعون الأحرار بالعبيد وأسرى الحروب الذين تدفقوا على روما وإيطاليا بأعداد هائلة، فاستغلوا في المزارع والمناجم والمصانع والبيوت أبشع استغلال فثاروا للتخلص من نير العبودية، وبدأت ثورات العبيد التي قاد أولها (136ـ132ق.م) أحد الأسرى السوريين المدعو يونس Eunus الذي جّند عشرات الألوف من العبيد الثائرين في جزيرة صقلية، ونصّب نفسه ملكاً عليهم باسم أنطيوخوس ولكن الرومان قمعوا تلك الثورة بمنتهى الوحشية وصلبوا 20 ألفاً من الثائرين ليكونوا عبرة للآخرين. لكن العبيد ثاروا من جديد، وأخيراً اندلعت حرب العبيد الكبرى (73ـ71ق.م) بقيادة سبارطاكوس[ر] التي اجتاحت مناطق واسعة من إيطاليا، ولم يتمكن الرومان من سحقها إلا بعد جهود شاقة وتجنيد قوات عسكرية هائلة بقيادة كبار قوادهم.وأدى تفاقم الصراعات السياسية والاجتماعية والحربية في المرحلة الأخيرة من العهد الجمهوري إلى تسميتها بعصر الثورة الرومانية (133ـ31ق.م).
وقد بدأ بحركة الأخوين غراكوس Gracchus عام 133ق.م، التي نادت بالإصلاح الاجتماعي وتحديد الملكية الزراعية والنهوض بطبقة صغار الفلاحين، ومساعدة الطبقة البروليتارية، والحد من امتيازات الطبقة الأرستقراطية الحاكمة. ولكن هذه الحركة قمعت بمنتهى العنف وقتل زعماؤها،غير أن الأفكار التي طرحتها ستبقى تحرك الجماهير سنين طويلة. وجاءت الحرب ضد يوغورتا في الشمال الإفريقي (111ـ105ق.م) ثم غزو القبائل الجرمانية التوتونية وإلحاقها الهزائم بالجيوش الرومانية ليظهرا فساد الطبقة الأرستقراطية من جهة والحاجة إلى إصلاحات عسكرية من جهة أخرى، غيرت من طبيعة الجيش الروماني وحولته إلى جيش محترف يقوم على مبدأ التطوع وامتهان الجندية بدلاً من تجنيد المواطنين. وهكذا بدأ ولاء الجيوش يتجه نحو قوادها.
وثار الحلفاء الإيطاليون على الرومان يطالبون بالمساواة وحقوق المواطنة، وتم لهم ذلك بعد الحرب الاجتماعية (91ـ88ق.م) وأصبح جميع سكان إيطاليا الأحرار مواطنين رومان، وتوسعت بذلك قاعدة الشعب الحاكم للامبراطورية.
واندلعت أولى الحروب الأهلية الرومانية بين الشعبيين بقيادة ماريوس Marius والأرستقراطيين بقيادة سولا Sylla الذي خرج منتصراً وتقلد سلطات دكتاتورية مطلقة أعاد بموجبها السيطرة إلى مجلس الشيوخ. لكن النظام الأرستقراطي الذي أقامه بدأ يتهاوى وألغيت القوانين التي تحد من سلطات الترابنة الشعبيين وظهر قائد جديد من طبقة الفرسان هو بومبيوس [ر] الذي منح سلطات استثنائية وحقق انتصارات عسكرية باهرة على العبيد الثائرين والقراصنة ومثريداتس وأخضع الشرق للسيطرة الرومانية، وتزامن ذلك مع ظهور قائد كبير آخر هو يوليوس قيصر Julius Caesar الذي تزعم الحزب الشعبي، رغم منبته الأرستقراطي، وعقد مع بومبيوس وكراسوس التحالف الثلاثي الأول عام 60ق.م للسيطرة على السياسة الرومانية. ولكن التنافس بين الزعيمين الكبيرين اشتد بعد مقتل حليفهما وصعود نجم قيصر نتيجة فتحه بلاد الغال، واندلعت الحرب الأهلية من جديد بين قيصر وأنصاره الشعبيين وبومبيوس المتحالف مع مجلس الشيوخ، وحسمت معركة فرسالوس عام 48ق.م الصراع بهزيمة بومبيوس ومقتله. وخاض قيصر معارك مظفرة ضد أنصار النظام الجمهوري في إفريقيا وإسبانيا ليعود عام 45ق.م وقد صار الحاكم المطلق للامبراطورية، وتسلم السلطة الدكتاتورية مدى الحياة وبدأ مشروعاته الإصلاحية السياسية والاجتماعية، ولكنه سرعان ما سقط صريعاً في مجلس الشيوخ عام 44ق.م على أيدي خصومه السياسيين من أنصار النظام الجمهوري الأرستقراطي. ويتجدد الصراع بين أنصار قيصر وقتلته والذي انتهى بهزيمة الجمهوريين في معركة فيليبي عام 42ق.م وبرز القائدان ماركوس أنطونيوس [ر] وأكتافيان اللذان اقتسما مناطق النفوذ في الامبراطورية حتى معركة أكتيوم عام 31ق.م التي حسمت الأمور لصالح أوكتافيان الذي لاحق غريمه وحليفته كليوباترة إلى الإسكندرية حيث لقيا مصيرهما وتحولت مصر إلى ولاية رومانية. وعاد أوكتافيان إلى روما وقد صار سيد الامبراطورية بلا منازع ويبدأ صفحة جديدة في تاريخ الرومان هو:
العصر الامبراطوري الروماني (27ق.م ـ476م)
بدأ أغسطس في عام 27 ق.م إصلاحاته السياسية التي كوّنت أسس النظام الامبراطوري الجديد التي ترسخت على مدى نصف قرن تقريباً من حكمه المديد. وقد أبقى على جميع مؤسسات الدستور الجمهوري وحافظ على مظهرها، ويدّعي في سجل أعماله الخالدة أنه أعاد الجمهورية الرومانية إلى سابق عهدها، هذا في الوقت الذي تركزت فيه السلطات الفعلية العسكرية والمدنية والدينية في شخص الامبراطور الذي صار بموجب السلطة البروقنصلية القائد الأعلى للجيوش الرومانية وحاكم أهم الولايات وأغناها، وبموجب السلطة التريبونية ممثل الشعب الروماني، كما أنه تسلم سلطات قنصلية أتاحت لـــه رئاسة مجلس الشيوخ والإشراف على أمور روما الأمنية والتموينية. وقد أشرك أغسطس مجلس الشيوخ في نظام الحكم الجديد، إذ ترك له الإشراف على الخزينة الرومانية وحكم عدد من الولايات الصغيرة، واختار من طبقة الشيوخ كثيراً من الولاة والقادة وكبار الموظفين، كما أنه أشرك طبقة الفرسان في إدارة الامبراطورية والإشراف على الأمور المالية بحيث صارت الطبقة الثانية في الهرم الاجتماعي. لم يفرض أغسطس نظامه الجديد على الرومان دفعة واحدة، وإنما كان يراجع إصلاحاته في ضوء التجربة العملية.
كان يسعى إلى المحافظة على التقاليد الرومانية وإلى إعادة الحياة للديانة الرومانية والمجالس الكهنوتية، كما كان يراعي مشاعر الطبقة الأرستقراطية ويعاملها بذكاء ودهاء حتى تمكن من كسبها للمشاركة الفعالة في النظام الامبراطوري، الذي لم يكن ملكياً أو وراثياً وإنما هو نظام مستوحى من التقاليد الجمهورية ليفي بمتطلبات حكم امبراطورية ودولة عالمية. وقد كتب له البقاء والاستمرار من دون تغييرات جوهرية ما يقرب من ثلاثة قرون حتى إصلاحات ديوقليسيان[ر] وقسطنطين الكبير التي حولت نظام الحكم الرئاسي الأغسطي Principatus إلى نظام امبراطوري ملكي مستبد.
وقد تعاقب على الحكم عدد كبير من الأباطرة الذين يصنفون عادة في سلالات أو أسر حاكمة وهي:
ـ الأسرة اليولية ـ الكلاودية (14ـ68م): التي تمثلت في حكم أربعة أباطرة جاؤوا بعد أغسطس، وهم أبناء وأحفاد زوجته ليفيا من زوجها الأول كلاوديوس، وينتمون إلى الأسرة اليولية بالتبني، وقد انتحر آخرهم بعد الثورة عليه، ونشب صراع بين قادة الجيوش الرومانية خرج منه فسباسيانوس منتصراً وأسس الأسرة الفلافية.
ـ الأسرة الفلافية (69ـ96م) حكم منها فسباسيانوس وأبناه من بعده تيتوس[ر] ودوميسيان[ر] الذي سقط نتيجة مؤامرة بسبب استبداده في الحكم.
ـ الأباطرة الأنطونينيون (أو الأباطرة بالتبني) (96ـ192م):
وهم نرفا وترايانوس[ر] وهادريان وأنطونينوس بيوس[ر] وماركوس أوريليوس[ر] وابنه الامبراطور كومودوس، وقد بلغت الامبراطورية في عهدهم أقصى درجات اتساعها وتطورها وازدهارها، وانتهى آخرهم مقتولاً، وبدأ صراع على السلطة بين قادة الجيوش الكبار خرج منه سبتيميوس سفيروس[ر] منتصراً ليؤسس أسرة جديدة.
ـ الأسرة السفيرية (أو الليبية ـ السورية) (193ـ235م):
وجاء نتيجة زواج سفيروس من الأميرة الحمصية يوليا دومنا، وقد برز منها الامبراطور كراكلا صاحب المرسوم الشهير الذي منح حقوق المواطنة الرومانية لكل سكان الامبراطورية الأحرار.
وبعد اغتيال اسكندر سفيروس (235م) غرقت الامبراطورية في بحر من الفوضى السياسية والعسكرية تناوب على الحكم فيها على مدى خمسين سنة عشرات الأباطرة الذين نصبهم الجنود وخلعوهم وقتلوهم، وعرفوا باسم الأباطرة العسكريين (235ـ284م) ومن أشهرهم فيليب العربي[ر] الذي احتفلت روما في عهده بعيد تأسيسها الألفي، والامبراطور أوريليان[ر] الذي تغلب على زنوبيا وقضى على دولة تدمر.
وترجع معظم الصعاب التي عانتها الامبراطورية في هذا القرن الثالث إلى سببين رئيسين: يتمثلان في اشتداد ضغط القبائل الجرمانية على جبهتي الراين والدانوب، وفي قيام الامبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق، والتي سعت إلى استعادة أمجاد الامبراطورية الأخمينية والوصول إلى البحر المتوسط فكانت الحروب لا تنقطع معها.
وقد نجم عن هذه الفوضى السياسية والعسكرية أزمة اقتصادية كبيرة بسبب أعباء الحروب المتواصلة والضرائب والأتاوى واستغلال الطبقات العليا وجشعها، وظهر المنقذ من هذه الأوضاع المتردية في شخص الامبراطور ديوقليسيان[ر] (284ـ305م) الذي قام بإصلاحات عسكرية وإدارية واقتصادية جذرية، وحاول حل مشكلة العرش وإبعاد الجيش عن السياسة وإنقاذ الديانة الوثنية الرومانية من انتشار المسيحية بملاحقة أتباعها واضطهادهم. ولكن لم يكتب لهذه الإصلاحات الاستمرار والبقاء وعاد الصراع على العرش مجدداً، وخرج منه الامبراطور قسطنطين الكبير فوطد دعائم الامبراطورية الرومانية الشرقية على أسس جديدة، وبنى عاصمة جديدة سماها باسمه (القسطنطينية). أما روما فقد تراجعت أهميتها وعانت الحروب وغزوات القبائل الجرمانية، وهكذا لفظت الامبراطورية الرومانية أنفاسها في الغرب وسقطت روما عام 476م بيد القبائل الجرمانية، وكان ذلك منعطفاً لعصر جديد في أوربا وبداية العصور الوسطى.
وهكذا ينتهي تاريخ الرومان، ذلك الشعب الذي اتصف بعبقرية عسكرية وسياسية وإدارية وقانونية فريدة، وأقام امبراطورية عالمية امتدت على قارات العالم القديم الثلاث وضمت حوض البحر المتوسط وجميع بلدانه للمرة الأولى والوحيدة في التاريخ. لقد ترك الرومان تراثاً قانونياً وسياسياً كبيراً لا يزال له تأثيره في العالم المعاصر، وتركوا كذلك صروحاً خالدة في كل مكان رفرفت عليه راياتهم، تمثلت في مئات المدن التي زهت بأبنيتها الفخمة وأقواس النصر والمسارح والملاعب والحمامات وأقنية المياه والطرقات التي تقود إلى أنحاء امبراطوريتهم كافة وإلى مدينتهم الخالدة روما.
لقد أذهلت انتصارات الرومان وإنجازاتهم الكبيرة وعظمة امبراطوريتهم كثيراً من الأقدمين والمحدثين الذين رأوا في روما معجزة مستمرة لن يحلم العالم بتكرارها ثانية، كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
روما ليست من رومولوس اي الشخص لان هذا الاسم أسطورة .
الحقيقة في دراسة اللغات التي تأثر بها الرومان و التي أثر أثروا عليها .
الانجليز يقولون : روم room و معناه البيت .
الامازيغ أخوم و أغومي aromi أو أغكمي argomi و يعني مدخل البيت و الرومان مشهورين ببناء الاقواس و مداخل المدن .
روما لم تعني سوى المدينة الذي يعيش فيها هذا الشعب الذي أسس هذه المدينة التي حمل سكانها اسم الرومانيون .